top of page
بحث

هل التسلسل السببي اللانهائي مستحيل؟ نظرة فلسفية ومنطقية

  • صورة الكاتب: Laith Hadid
    Laith Hadid
  • 7 يوليو
  • 3 دقيقة قراءة
eternal universe

مقدمة


في قلب النقاشات الفلسفية حول وجود الكون وسبب نشأته، يطرح البعض سؤالًا بالغ الأهمية:

"إذا استمر التسلسل السببي إلى مالا نهاية، فهل يعني ذلك أن الكون لم يكن ليوجد أصلاً؟"

يُبنى هذا السؤال على مبدأ السببية: أن كل شيء يحدث بسبب شيء قبله. لكنه يتقاطع مع فكرة المالا نهاية، وهي فكرة رياضية وفلسفية لا يمكن فصلها عن هذا النقاش. في هذا المقال، نتناول هذه الإشكالية من وجهات نظر منطقية وفلسفية، ونتساءل: هل التسلسل السببي اللانهائي ممكن؟ أم أنه يؤدي إلى استحالة الوجود؟


السببية في الفكر الفلسفي

السببية تعني أن لكل حدث سببًا. هذا المفهوم هو حجر الزاوية في فهمنا للواقع والعلم والمنطق اليومي. كل ظاهرة، من سقوط تفاحة إلى تشكّل مجرة، تُفسَّر بسبب سابق لها.

لكن عندما نعود بالأسئلة إلى الوراء: "وما سبب هذا السبب؟ وما سبب سببه؟..."، نجد أنفسنا أمام سلسلة من الأسباب لا يبدو لها بداية واضحة. هنا يطرح السؤال المحوري:

هل يمكن أن تمتد هذه السلسلة إلى ما لا نهاية؟

الرأي القائل باستحالة التسلسل اللانهائي


يقول هذا الرأي (الذي يعتنقه عدد من الفلاسفة الكلاسيكيين والدينيين) إن التسلسل السببي اللانهائي غير منطقي، لأن:

  • وجود سلسلة لا نهائية من الأسباب يعني أنه لا توجد نقطة بداية حقيقية.

  • وإذا لم تكن هناك بداية، فلن توجد سلسلة بالأصل، وبالتالي لن يكون هناك وجود الآن.

  • ومن ثم، لا بد أن يكون هناك "سبب أول" غير مسبوق بسبب، وهو ما يسمى عند البعض بـ السبب غير المسبب أو الوجود الأزلي.


أشهر من قال بهذا الرأي:


  • أرسطو (السبب الأول)

  • الغزالي (الحدوث الزماني للكون)

  • ابن سينا (الواجب الوجود)

  • توما الأكويني (في حججه الخمس لوجود الله)


الرأي القائل بإمكانية التسلسل السببي اللانهائي


على الجانب الآخر، يجادل بعض الفلاسفة بأن التسلسل اللانهائي لا يُعد مستحيلًا منطقيًا، بل هو ممكن من حيث التصور والرياضيات. وأبرز حججهم:

  1. اللانهاية ليست عددًا يجب أن نصل إليه، بل مفهومًا يشير إلى عدم التوقف. كما أن الأعداد السالبة تمتد إلى -∞ دون أن نحتاج إلى أول عدد سلبي.

  2. ما دام كل حلقة في السلسلة لها سببها الخاص بها، فإن وجود السلسلة لا يتطلب سببًا أولًا.

  3. لا ضرورة عقلية لوجود "بداية زمنية" للكون؛ فقد يكون الوجود أزليًا بشكل متسلسل.

من أبرز المدافعين عن هذا الرأي:

  • برتراند راسل

  • ديفيد هيوم

  • بعض المدارس البوذية والفكر الطبيعي المعاصر


نظرة رياضية: ماذا تعني (−∞ + ∞)؟

لفهم التسلسل اللانهائي من منظور رياضي، يمكن النظر إلى التعبير:

−∞+∞−∞ + ∞−∞+∞

في الرياضيات، هذا التعبير يُعد غير معرف (undefined) لأنه يمثل حالة غير محددة (indeterminate form). لا يمكننا القول ببساطة أن ناتجه صفر أو أي قيمة أخرى.

من خلال النهايات (Limits):

تخيل دالتين:

  • f(x)→∞f(x) \to ∞f(x)→∞

  • g(x)→−∞g(x) \to −∞g(x)→−∞

عند جمعهما:


lim⁡x→∞[f(x)+g(x)]\lim_{x \to ∞} [f(x) + g(x)]x→∞lim​[f(x)+g(x)]


لا يمكن تحديد الناتج إلا بمعرفة معدل نمو كل دالة. فإذا كانت إحدى الدالتين تنمو أسرع من الأخرى، فإن النتيجة قد تميل إلى ∞ أو −∞، أو حتى تستقر على قيمة نهائية، أو تبقى متذبذبة.

هذا يُشبه إلى حد بعيد ما يحدث في التسلسل السببي الفلسفي:

  • بدون معرفة تفاصيل كل "سبب" في السلسلة، لا يمكننا أن نقطع منطقيًا بوجود أو عدم وجود بداية.

  • مثلما أن جمع ∞ و−∞ يتطلب سياقًا دقيقًا لتحديد الناتج، فإن الحكم على تسلسل سببي لا نهائي يتطلب تفصيلًا فلسفيًا ومنطقيًا دقيقًا.


الخلاصة

القول إن "الكون لا يمكن أن يكون موجودًا إذا كان التسلسل السببي لا نهائيًا" هو افتراض فلسفي لا برهان قاطع عليه. بل إن النقاش حول المالا نهاية والسببية لا يزال مفتوحًا، وتتفاوت فيه المدارس الفكرية والمنهجيات.

قد يكون من المفيد، بدلًا من البحث عن إجابة قاطعة، أن نعترف بأن هذا السؤال يمس جوهر حدود العقل البشري، وأن اللانهاية ليست دائمًا استحالة، بل أحيانًا دعوة للتأمل الأعمق.

 
 
 

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات


© 2025 ليث حديد. جميع الحقوق محفوظة

bottom of page